الداعية الشاب: مصطفى حسني
بدأنا في حلقتنا الماضية في الحديث عن إمام المتقين، الفارس النبيل، وصاحب الخلق الجميل سيدنا "علي بن أبي طالب" ووقفنا نتأمل شجاعته وقلنا إننا نقف عاجزين ونحن نتحدث عنها وعن إقدامه وبسالته أن نوفيه بعضا من حقه.
وها نحن نتحدث معا لنتذكر بعضا من مواقفه المضيئة مع النبي صلى الله عليه وسلم والتي تشرح لنا مكانة الرسول عنده ومكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فها هو النبي الكريم يعقد صلحا –صلح الحديبية- مع قريش، فيجلس النبي وينادي على سيدنا "علي"، وها هو "سهيل بن عمرو" من الطرف الآخر، وإذ بالنبي يقول لـ"علي بن أبي طالب": "اكتب يا علي: بسم الله الرحمن الرحيم"، فيعترض سهيل بن عمرو ويقول: "لا تكتب لا رحمن ولا رحيم، ما علمناه رحمانا ولا رحيما! اكتب: "باسمك اللهم"، سواء إلهنا وإلهكم".. فمحا سيدنا "علي" البسملة وكتب "باسمك اللهم"، لأنه يعلم أنه لا إله إلا الله وحده.. ولا إنكار لمن شهد أنه لا إله إلا هو سبحانه.
وأملاه النبي بعد ذلك: "هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله مع سهيل بن عمرو"، فاعترض "سهيل بن عمرو" للمرة الثانية قائلا: "امحو رسول الله، ما علِمناك رسول الله ولو كنت رسول الله لكنا اتبعناك"، فقال النبي: "امحُها يا علي"، فقال سيدنا علي: "لا والله لا أمحوك أبدا".. وعندها قال النبي لـ"علي": "أين هي؟"، ثم مسحها النبي بيده الشريفة. وفي رواية البخاري كتبها النبي بيده "محمد بن عبد الله"، فأي حب وتقدير للنبي في قلبه حتى أن يداه لا تجرؤ على محو كلمة تخص.."رسول الله".. وأي إيمان برسالته يبدو في هذا الموقف.
لا عجب فإنه "علي بن أبي طالب".. أول من أسلم من الصبيان، وأول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه علي المؤتمن على الودائع من قِبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في وقت الهجرة، وبقي بمكة ثلاث ليال بأيامها، حتى رد ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ودائع لأصحابها. إنه "علي" الذي حين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، جعله أخا له هو وقال له: "أنت أخي وصاحبي في الدنيا، والآخرة". إنه "علي" الذي قال النبي عنه لــ"فاطمة" الزهراء: "زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة"، ولِما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "علي سيد العرب".
نعود لموقف آخر يبين لنا كم كان يُحزٍن سيدنا "علي" ألاّ يخرج للجهاد في سبيل الله والدفاع عن حبيبه وقرة عينه رسول الله، فعندما خرج النبي لمحاربة أهل الشرك في غزوة تبوك، أراد النبي أن يترك واحدا من الصحابة لكي يحمي النساء والأطفال فأشار النبي لسيدنا "علي" أن يبقى ليحميهم، فقام المنافقون بمحاولة لتقليب سيدنا "علي" على النبي صلى الله عليه وسلم فأشاعوا أن النبي قد سئم -ملَّ- من خروجه معه. فذهب سيدنا "علي" إلى النبي يسأله عن سبب تركه ويطلب إليه أن يسمح له بالخروج لغزوة تبوك فقال له النبي: "يا علي أمَا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي".. وذلك لأن سيدنا "موسى" قد ترك أخاه "هارون" مع قومه عندما ذهب ليكلم الله، غير أنه لا نبي بعد سيدنا "محمد" و"هارون" كان نبيا.
وربما يكفي سيدنا "علي" شرفا أنه جمع ثلاث مفاخر لم تُجمع لأحد سواه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا علي: أُعطِيت ثلاثا لم يُعطَهن أحد غيرك، صهرا مثلي، وزوجة مثل فاطمة، وولدين مثل الحسن والحسين".
كما أنه حاز سهم جبريل -عليه السلام- من غنائم تبوك، فقد روي أن النبي حين عاد منتصرا من غزوة تبوك، وغنم المسلمون أموال المشركين ورقابهم، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يقسم السهام على المسلمين سهما سهما، ودفع إلى "علي بن أبي طالب" سهمين، فقام أحد الصحابة يسأل: يا رسول الله، أوحي نزل من السماء، أم أمر من نفسك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدكم الله، هل رأيتم في رأس ميمنتكم صاحب الفرس الأغر المُحجَّل، والعمامة الخضراء، لها ذؤابتان مرخاتان على كتفيه، بيده حربة، قد حمل على الميمنة، فأزالها، وحمل على الميسرة فأزالها، وحمل على القلب فأزاله؟ قالوا: نعم، لقد رأينا ذلك، قال: هو جبريل، وقد أمرني أن أدفع بسهمه لعلي".
ولم يلبث النبي بعد غزوة تبوك أن يمرض وتفارق روحه النورانية جسده الشريف وبعد مرور 6 أشهر من موت النبي تموت السيدة "فاطمة". لتجتمع عليه الأحزان، غير أنه يعيش لينتفع به المؤمنون بعد رسول الله عيشة الراضي الفارس الشجاع الذي يدافع عن الحق والعدل حتى آخر نفس في حياته.
أحبائي:
إننا لسنا في مجال سرد لسيرته الشريفة، ولهذا لن نتعرض في نظرنا لجوانب حياته لأكثر من ذلك، ولكننا نتلمس في ذكره وذكر آل بيت النبي طيب الحياة وشذا الإيمان واليقين.. ولعلنا نكون قد حققنا شيئا من ذلك.
وأحب أن أختتم مقالي هذا ببعض الحكم المأثورة عن سيدنا "علي" كرم الله وجهه، لعلنا نتعلم ما ينفعنا في الدنيا والآخرة..
يقول علي كرم الله وجهه:
"الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق"
"العالم مصباح الله في الأرض، فمن أراد الله به خيراً، اقتبس منه"
"الإعجاب يمنع الازدياد"
"إذا تم العقل نقُص الكلام"
"أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله"
"أشد من البلاء شماتة الأعداء"
"المعروف أسر لا يَفُكُّه إلا شكر أو مكافأة"
ونختتم ما وُفِّقنا لعرضه من أقواله، بقوله كرم الله وجهه: "انفرد بسرك... لا تودِعُه حازما فيزِل ولاجاهلاً فيخون".
ورضي الله تبارك وتعالى عن إمام المتقين،
وأبي الحسن والحسين،
وعن آل البيت أجمعين..
وصلى اللهم على سيدنا محمد في الأولين والآخرين،
وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.